عام 1932م أصبحت الأحلام الكبيرة، صغيرة في وطنٍ متسامٍ بكل ما فيه، كانت ساحة البلدية القديمة في الخليل لا تعني انتهاء حدود المدينة بل بداية مواعيد كثيرة مع مدن أخرى كانت تشكل جزءً لا يتجزأ من وجدان الفلسطيني، وجزءً أساسي من ذكرياته وآماله وتطلعاته، على عتبات الخليل القديمة، كانت محطة الحافلات تشارك الناس أكثر مواعيدهم حميمية مع القدس ويافا، أو نحو دمشق وبيروت والعتبة (مصر). تأسست شركة الباصات الوطنية في القدس عام 1930م، ومن مؤسسيها (عمر الجولاني وعامر وعبد الحليم عبيدو من الخليل بالإضافة لآخرين من القدس) بهذه الأسهم لواحدة من أكبر شركات المواصلات في بلاد الشام، بدأ فصل جديد وعصري يرسم ملامح جغرافيا فلسطين بكامل مدنها وقراها، مع مدن أخرى في بلاد محيطة كانت تقاسمنا تفاصيلها، بعد عام النكبة بُترنا منها، فأصبحت غريبة وبعيدة جدًا، لكنها ظلت تسكننا، كم كان الاحتلال بشعًا، وكم بقينا متيمين بها كأنها نحن. الخليل – دمشق – مصر 1932م بعد عامين من تأسيس الشركة الأم، تم إنشاء شركة الخليل الوطنية عام 1932 لتكون فرعًا لها، وشاركت في ربط حواضر فلسطين ببعضها البعض، بالإضافة إلى مدن الشام ومصر. يقول الحاج عمر عبد الله الجعبري مواليد مدينة الخليل 1956م، في هذا السياق والذي عمل سائقًا على خطوط متعددة داخل هذه الشركة عام 1973م نقلًا عن جده، أحد مؤسسي خط شركة الخليل الوطنية، التي امتلكت حينها 21 حافلة سافرت إلى مختلف الوجهات والمناطق قبل الاحتلال. كان موقف الحافلات في أكثر مناطق الخليل حيوية وتحضرًا خارج حدود المدينة القديمة، في شارع من أهم الشوارع الذي احتضن وجهات الوطن المختلفة شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا، ورسم ملامح الأرض قبل أن يحوله الاحتلال الإسرائيلي إلى شارع خاص بالمستوطنين المحتلين ومُنع الفلسطيني من استخدامه أو دخوله. في شارع الشهداء اليوم، تحديدًا بالقرب من محطة الحافلات القديمة المحاصرة بالاستيطان الاسرائيلي، لم تتوقف الحافلات وصوت الطلاب والتجار، وخطوات النساء النازلات من الحافلة، والمفتونات بقطع القماش المختلفة اللواتي اشترينها من مدن أكثر من أن تعد أو تحصى. هناك توقف الزمن، أصبح كل شيء صامت وساكن، لكن في الذاكرة يتردد صدى صوت الرجل على عتبة المحطة وهو ينادي (القدس/ يازور/ حيفا/ عكا/ غزة) ، تلاشت باصات الخليل الوطنية أمام جشاعة شركة باصات "إيجد" الاسرائيلية، لكن ذلك الطفل الذي ودع والده من شرفة بيته وهو يركب الحافلة إلى القاهرة بقي يلوح بيده منتظرًا عودته. امتلكت الشركة الوطنية للنقل قبل نكبة فلسطين 109 حافلات، وبعد تأسيس دولة الاحتلال، تم تأسيس شركة إيجد الاسرائيليةوكانت تملك 9 حافلات فقط، رويدًا رويدًا وبفعل السياسة الاسرائيلية التي كانت تقدم التسهيلات للشركات الاسرائيلية العامة والخاصة، تم تحجيم الشركات الفلسطينية وقتلها، لكن الطرق التي أسستها، والدروب التي حملت فيها الفلسطيني سواء كان مسافرًا أو لاجئًا مسلوب الحق، لا تعرف سوى فلسطين كوجهة أبدية لنا. هذا جانب قصير مما حمله لقاء الأمس الثلاثاء 4/10/2022 حيث نزل فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي في ضيافة الحاج عمر الجعبري، الشكر موصول له ولعائلته على حسن الاستقبال.