وسط الصقيع في بداية شهر (كانون الأول 1966) كانت السيدة مُزين الحلواني مواليد القدس 1938، في طريقها من المشفى الانجليزي إلى بيتها بجانب الحرم الابراهيمي الشريف، وجدت نفسها وسط جموع الفتيات المتجهات في مظاهرة تقودها السيدة "علية الناظر" من مدرسة وداد ناصر الدين الثانوية للبنات إلى مقر الجيش الأردني في وسط باب الزاوية وهن ينادين بسقوط الملكية (الحكم الاردني للضفة الغربية 1948-1967) على إثر التوترات بعد مذبحة السموع التي قام بها الاحتلال الاسرائيلي في 13/11/1966، كان مشهد دلو الماء الذي سكبه العسكر الاردني ضد المتظاهرات كما أكده الحاج نافذ حمزة شاهين لا ينسى. تأتي أهمية الذاكرة الشفوية في قدرتها على سرد تفاصيل الحالة الانسانية لمن عايش وقائع التاريخ بشكل حي بعيدًا عن جلافة الكتب، فدموع السيدة مُزين التي انسكبت في أكثر من موقف وهي تُسقط ذاكرتها الحية لفريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقاقي، شاهد حي على فظاعة ما عاشه الفلسطيني في آخر قرن، والدها الذي كانت تظن من أنه مسافر، عاد جريحًا في حرب النكبة محمولًا على أكتاف أصحابه المشاركين في المعارك ضد الجيش البريطاني والعصابات الصهيونية في منطقة (مستوطنة كفار عتسيون) في حرب النكبة عام 1948، قالت: كِنه كان مع الثوار بيحارب ! أنا بتذكر الانجليز اللي كانوا بدهم يخطفوا أختي من باب البيت، بتذكر إمي كيف انجنت وسكرت الباب عليهم. وقدميها الحافية في أزقة حارات الخليل وهي تركض خلف ابنها المصاب في مجزرة الحرم الابراهيمي عام 1994 وسط عشرات الشهدات ونداءات النساء لم تشفَ بعد ولا زالت تنزف على إثر خروجها مع أطفالها الأربعة وزوجها وسط الجبال بحثًا عن مكان آمن في حرب الاحتلال 1967. رسمت ذاكرة السيدة مُزين تفاصيل مليئة بالحنين للبلد القديمة قبل الاحتلال، تذكرت نفسها مع أمها وإخوتها ولاحقًا أولادها في "حمامات الخليل العامة" وكيف كانت تلك الحمامة مساحة للفرح قبل أن يحولها الاحتلال الاسرائيلي لخرِب وملجأً للأشباح، أو لصور حية في ذاكرة روادها، قالت ( كنا نروح ناخد معنا برتقال وخيار وكلشي، كل واحد مع اولاده إله غرفة، ونطلع بالساحة نرتاح وناكل وبعدها نروح، كان النسوان يغنوا أشياء كتير ، وكانت تشتغل في وحده عمية). تفاصيل مثيرة سردتها السيدة مُزين الحلواني (ام اسحق المحتسب) لفريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي، تفاصيل أخرى ستنشر لاحقًا.