تقول السيدة فوزية أبو سلعوم، من مواليد مدينة يافا قبل النكبة بقليل، والتي استقرت بها الأحوال في مدينة الخليل، حيث سكنت البلدة القديمة بجوار الحرم الابراهيمي الشريف عن حرب النكسة واحتلال المدينة: (اندلعت الحرب والناس في حالة هلع، قالوا لنا "اطلعوا" ثم أحضروا الشاحنات، وصعدت العائلات فيها لتقطع النهر، هرعت والدة زوجي وأخته إليّ من أجل اللحاق بهم، فقلت: هي موتة وحدة؛ إذا بدنا نموت في الدار بنموت، إذا بدنا نموت بالشارع بنموت، الأحسن نموت في دارنا أسترلنا)، ولأني لم أخرج مكث الباقيين معي ولم يهربوا كررت "أنا بطلعش من الدار، ما رضيتش أطلع" والشحن اللي ما رضيت أهاجر فيها قصفتها طيارة اسرائيلة بالطريق قبل ما تقطع النهر، ومات كل اللي فيها، بعد الحرب كانت الحارة فاضية. بعد نكسة فلسطين عام 1967، ذهبت السيدة فوزية مع أمها وجدتها وحماتها لزيارة "الدوايمة" بلدها التي هُجرت منها العائلة في نكبة 1948، حينها كان الاحتلال قد هدم القرية بشكل كامل باستثناء المسجد الذي يحتوي مقام ولي، هناك كان ثمة شخص يهودي يدّعي بأنه مختار الدوايمة، لم تتمالك النسوة أنفسهم وبدأن بالبكاء فوق أطلال بيوتهن المهدمة. تعقيبًا على ما حدث تنهدت السيدة فوزية وقالت: جلست حماتي تحت الرمانة التي لم يقربها أحد منذ المجزرة، وبدأت بالنداء على زوجها الميت: يا بدوي تعال "قنب" الرمانة تعال شوفها كيف بدها قنابة، هو سمعها بس البلد كانت مسيّجة. (التقنيب/ تقليم الشجر). كانت ذاكرتها مشحونة بالكثير مت التفاصيل، تذكرت عمها "طلب" الذي رفض الزواج والتحق بصفوف الثورة الفلسطينية عام 1936 واستشهد في القدس، تغزلت نساء القرية جميعهن بجماله وكن يرددن ما كان يقوله: يا بشرب من راس النبع يا بصدر عطشان يا باخذ وحدة مليحة يا بحلف عن النسوان لم تنتهي مآسي السيدة فوزية "إم جمال"، فذكرت تفاصيل مجزرة الحرم عام 1994، قالت: كنت بعمّان ليلة المجزرة حلمت برصاصة دخلت راسي قمت من النوم وقلبي ع ولادي، عرفت إنه صار إشي بالخليل، نزلت ع الشارع عشان أروح، سكروا اليهود الحدود، وع الساعة 8 الصبح سمعنا خبر مجزرة في الخليل، ما قعدت لحتى طمني الصليب الأحمر ع ولادي. تفاصيل مثيرة وذاكرة خصبة انتشى بها فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقاقي يوم أمس بحضرة السيدة "فوزية أبو سلعوم" أم جمال، قصص وأحداث تروي تفاصيل التحولات السياسية والاجتماعية في منطقة الخليل في النصف الثاني من القرن العشرين ستنشر لاحقًا