من زيارة فريق التأريخ الشفوي لمنزل السيد أحمد مرقة (أبو عادل) مواليد عام ١٩٢٧، والذي حدّث الفريق عن فترة الانتداب البريطاني. حاورناه بذاكرة منتعشة، السيد أحمد عادل مرقة "أبو عادل" مواليد مدينة الخليل 1927م، كانت الذكريات تفيض على لسانه لتمنح ملامحه السكينة والراحة، لكن الحديث عن اليوم كان يلجمه، فما أقسى هذا الواقع! (الخليل العثمانية) كان قصر آل مرقة في محلة الأكراد في حارة الجعبري "مبنى الهلال الأحمر الفلسطيني/ خلف لجنة الإعمار اليوم" أكبر قصور الخليل وأضخمها، شهدت جدرانه فترة الحرب العالمية الاولى (1914-1916)م أحداثًا مفصلية، فحينما ضرب الجوع والمرض والفقر الناس، كان والده الحاج عادل مرقة يوزع القمح على الناس مجانًا، ثار تجار المدينة عليه لأنه رفض منحهم القمح، فقد عرف رغبتهم في استغلال الأحداث لرفع أسعاره على الناس، شكوه للحاكم العثماني في المدينة، لكن الحاكم التركي لم يفعل شيئًا لأن الدولة العثمانية كانت تستقرض منه المال حينما تعجز عن تغطية رواتب موظفيها! هذه الذاكرة المنتعشة منحته شيئًا من السلام وسط هذا الواقع المزري، لأنها حملت ملامح المدينة الحقيقية قبل الاحتلال، قبل النكبة والنكسة وضياع فردوس فلسطين وتوزيع ثرواتها وأراضيها على الأمم المُستَعمِرة. عندما كانت تقف الباخرة الأمريكية المحملة (بالكاز) في ميناء يافا قبل الحرب العالمية الأولى، كان الحاج عادل مرقة يخرج بقافلة من الجمال يفوق عددها الخمسين، فحصته من حمولة السفينة 1000 تنكة من أصل 2000، وكان القمح المستورد من امريكا واستراليا والطحين كذلك، من أهم واردات العائلة، بالإضافة إلى الأقمشة القطنية والحريرية بمختلف أنواعها، كانت قناديل الكاز بأنواعها تمنح المدينة اشراقة مُبهرة، خاصة في الليل والأعراس، والمناسبات والسهر في البساتين وكرومات العنب والتفاح والكرز في ليالي الصيف الطويلة. كان كل شيء مُبهج قبل أن تقتله الحرب العالمية الأولى بفقرها وذلها، أعتمت قناديل الكاز والزيت، لأن الشوارع قد فرغت من الرجال الذين حملتهم القطارات والسفن في رحلة السفربرلك، وظل هناك رجل وحيد يقف أمام قصر آل مرقة يحمل ثلاث أكياس من القمح ليعيل أطفاله وأطفال اخوته الذين أكلتهم الحرب. (الخليل الانتدابية) أنهى الحاج أحمد مرقة تعليمه الثانوي وتم توظيفه في سلك المعارف الحكومي كمدرس (1944)، عمل في التدريس في قرية صوريف غرب الخليل، وخلال شهادته على ذلك العصر وعن واقع التعليم في ظل الانتداب البريطاني نوه إلى موضوع في غاية الأهمية وهو ما ارتبط في البند الأول من وعد بلفور 1917، وهو تهيئة فلسطين اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا لتحقيق قيام دولة يهودية على أرضها، كانت سياسة التجهيل البريطانية في التعليم هي أساس تلك المرحلة، حيث لم يتم تعيين أكثر من مدرس واحد في كل قرية فلسطينية، لكن أهل القرى والبلدات الفلسطينية لم يستسلموا بل استقدموا المعلمين لتعليم أولادهم، ضمن خطة وضعوها عرفت (صندوق التعليم المحلي) حيث تكفلت كل قرية برواتب معلميها، وكان المعلمون ينتقلون على الدواب ليعطوا أولاد بلادهم العلم والأمل. جانب قصير من الحوار الذي أجراه فريق التأريخ الشفوي لنادي الندوة الثقاقي مع الحاج أحمد مرقة (أبو عادل) 95 عام يوم السبت الماضي 17/9/2022، والشكر موصول لعائلته على حسن الاستقبال.