1 قراءة دقيقة


كلب الست..... السلطة وبراجماتية الفرد المحروم

مسرحية ترصد تحولات الفرد داخل منظومة الصراع في البيئة الشمولية، رمزية عالية على صعيد الحوار والدلالة البصرية جعلت فعل الخطاب مؤثرًا وفق بنية حدث ينقل المتلقي نحو فضاءات الرغبة بين المأمول والممنوع


 

مسرحية (كلب الست)، من إخراج فراس أبو صباح، وتأليف الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي، تمثيل كل من خالد المصو، هديل تكروري، سليم دار زايد، توليفة درامية تندرج تحت إطار الكوميديا السوداء، تطرح برمزية معبرة قضية السلطة وعناصر تأثيرها على الفرد وفق محدداته الاجتماعية والاقتصادية، عمل درامي متكامل على صعيد عناصره المسرحية، الديالوج بين الشخصيات وما يحمله من سمة صراع داخلي، الحوار المرسل والاستعراضات الخفيفة، والسيميائيات البصرية على مستوى الشخصية وإيحائاتها عملت ككل على تماسك الحدث وفق منحناه المتأزم، بدون أي نمطية في الطرح.

تنفتح المسرحية في مشهد حواري يكشف عن ملامح تلك العائلة، وبين توجهات الشاب الرافض للتبعية والتقليد- طموح ضمن الممكن- هذا الحوار الذي سوف تبدأ معالمه بالتغيير بعد زيارة مفاجئة من إمرأة مرسلة من الجهات العليا كي تحقق لهم مطالبهم، في رمزية للسلطة، وهنا يصبح الحفيد والجد في صراع نفسي ممتد نحو الآخر بسبب تلك العلاقة المستجدة مع طرف ذو سلطة في فرض المرغوب والمطلوب، ومن هنا تبدأ ملامح العلاقة تتغير بين الحفيد والجد حسب معطيات ما فرضه الآخر الجديد.

الديالوج من أهم عناصر المسرح، لأنه يضع كل شخصية بكل مقوماتها المادية والمعنوية في بنية من التصارع مع الآخر، وأحداث القصة والحبكة المتصاعدة جعلت ذلك الحوار يتطور وفق عدة محددات، خضع لها الحفيد تارة، والجد تارة أخرة، مع التحولات الكبيرة التي فرضتها الفتاة ذات السلطة من خلال التدخل في أدق تفاصيل حياتهم، خاصة بعد موت كلبها بسم فئران، وهنا رمزية على خلق ذوي السلطة لقضايا داخل بنية المجتمع من أجل إدارة دفة المصلحة حسب المتاح وحسب انسياق الفرد لتلك القضايا، وعلى صعيد التفاعل بين الشخصيات استطاعت المسرحية أن تكشف عن عدة محددات تتعلق بالتراصف الطبقي والتسلط، ودور الوصمة الاجتماعية في تحديد مواقف الأنا والآخر، وفق تحويرات من المخرج لكي تكون المسرحية قريبة من واقعنا المحلي، وهذا مما ساهم في دعم عملية التأثير على المتلقي، الذي قد يجد نفسه داخل دائرة الصراع، ويفكر بطرق معينة لتفادي الأزمة التي وقع بها الشاب وجده، وبنية هذا التفاعل بين الجد والشاب واغراءات السلطة كسفت عن تذبذب تلك العلاقة، بين المنفعة المرجوة من خلال المغازلة وتبني الخطاب، أو من خلال الانسلاخ والحلم بالهجرة أو الهرب.

الرمزية التي حملتها المسرحية من خلال الحوار أو الدلالة التصويرية، مثل لعق أدوات الطعام، أو خدمة المرأة من خلال طلاء أظافرها، الإغواء والإغراء، صورة الكلب المقتول المعلقة على الحائط وغيرها، لم تحصر المتلقي داخل أسوار تلك الدلالة، بل جعلت المشاهد ينطلق من تأويل ذلك المشهد الدرامي إلى فضاءه الخاص، لتنتج المسرحية حتمية إجراء مقاربة بين الواقع وما يجري على خسبة المسرح، وهنا ومن خلال تلك العلاقة التي تفرضها المسرحية على المتلقي يتوج العمل المسرحي بالنجاح، لأن الفرد يصبح جزء منها وأكثر انفتاحًا على واقعه.


أحمد الحرباوي

 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.