1 قراءة دقيقة

أم كلثوم: في ذاكرة فلسطين الموسيقية

 أ.جوني منصور

صدر يوم الثلاثاء الموافق 14 تموز 2020 عن بلدية حيفا بيان رسمي ورد فيه أن لجنة التسميات التابعة للبلدية قد أقرت في جلستها الأخيرة اطلاق اسم "أم كلثوم" على أحد شوارع المدينة، وتحديدا في البلدة التحتا قريبا من المواقع التي كانت فيها قاعات وصالات استقبلت سيدة الغناء العربي في ثلاثينيات القرن الماضي. 
لقد اثارت هذه الخطوة غضب قطاع من اليمين الاسرائيلي المتطرف في المدينة ومن خارجها، باعتبارها خطوة تعزيز لمكانة "العدو" (على حد تعبيرهم) في الوقت الذي فيه عشرات بل مئات الاسماء اليهودية والصهيونية (بما فيها اسماء لشخصيات اعتبرها ويعتبرها التاريخ مجرمة)تنتظر دورها لتخلّد على لوحات شوارع وطرقات وازقة ومؤسسات في حيفا وسواها من المدن والبلدات. 
الخطوة بحد ذاتها ايجابية وتعكس نوعا من الانفتاح على احتياجات المجتمع العربي الفلسطيني في حيفا وغيرها من المدن التي تعتبر مشتركة(البعض يسميها مختلطة وانا أرفض هذه التسمية). من جهة أخرى، لا يمكن التغافل مطلقا على ان لسيدة الغناء العربي الكبيرة مكانة مرموقة بين ابناء الشعب الفلسطيني منذ ان ظهرت بِطَلّتـها الاولى فنيًّا، ومنذ أن حلّـت ضيفة على فلسطين. 

لقد زارت السيدة ام كلثوم فلسطين ثلاث مرات، حيث أحيّت حفلات لها في حيفا ويافا والقدس جذبت إليها آلاف المغرمين والعاشقين لفنها الراقي.  المرة الاولى في 1929، والثانية في شهر ايلول 1931 بعد جولة غنائية في لبنان وسوريا، اما الثالثة ففي ايار 1935(تجدون بعض الاعلانات عن حفلاتها في الصور المرفقة). كما وعرضت مجموعة افلامها(الستة في العدد) في صالات العروض في المدن الفلسطينية المختلفة، وابرزها في سينما الحمرا بيافا.

حملت ام كلثوم الهم المصري والعربي والفلسطيني في عدد من اغانيها وأناشيدها، ومن ابرزها نشيد\: "والله زمن يا سلاحي"، الذي كتبه الشاعر والفنان صلاح جاهين ولحنه كمال الطويل واعتمدته مصر نشيدها الوطني بين 1961 و 1971 إلى أن الغاه الرئيس السادات كجزء من عملية تشويه وإلغاء تراث الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كذلك اعتمده العراق نشيدا وطنيا حتى العام 1981. وكذلك غنت الاغنية الخاصة بفلسطين "اصبح عندي الآن بندقية ، إلى فلسطين خذوني معكم" من كلمات نزار قباني والحان محمد عبد الوهاب. وغيرها من الاغاني التي لا يزال صداها مسموعا الى ايامنا هذه. 

من جهة أخرى، فإن بلدية الرملة قد اقرت اطلاق اسم ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب على شارعين في المدينة، وكان ذلك قبل اسبوعين من اليوم. وفي هذه الحالة تعالت الاصوات المعارضة لهذه الخطوة. برأينا أن اقدام البلديتين على تبني الاسمين ليس منّة منهما بقدر ما هو اعتراف بحضور الفن الراقي وتقبله في وسط رافض لكل ما هو عربي وفلسطيني. بالإضافة إلى أن عشرات آلاف اليهود الشرقيين (السفاراديين) لا يستمعون إلا إلى ام كلثوم وعبد الوئبهاب وفريد الاطرش واسمهان يوميا في بيوتهم ومصالحهم وحفلاتهم وسهراتهم. وهذا ايضا ما يؤكد بقاء وديمومة التراث العربي الذي حاولت المؤسسة الاشكنازية الحاكمة حرمانهم منه وبترهم عن محيطهم العربي حضاريا ولغويا وفنيا. 
بالمحصلة، وبعد أكثر من سبعين عاما تعود أم كلثوم إلى حيفا التي احبّت واحيت حفلاتها فيها ويُقال أنها كسبت لقبها "كوكب الشرق" في هذه المدينة.
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.