نيس البنات" (شم الهوا في مدينة الخليل) طقس فلسطيني قديم احتفالًا بعيد الربيع يرادفه (شم النسيم/الفرعوني، والفصح المسيحي) تعقيبًا على ما ذكره الباحث "زكريا محمد" حول طقس "نيس البنات" في مدينة الخليل، كان هذا الطقس مرتبطًا بشكل أساسي بعدة ممارسات لها جذور ضاربة في القدم وتتعلق بالميثولوجيا الفلسطينية القديمة، حيث كانت نساء المدينة يخرجن إلى البساتين والكروم في بداية شهر (4/نيسان) من كل عام مرتين نحو البساتين الخضراء ويكون ذلك إما يوم السبت (سبت النور)، أو الخميس (يسمى خميس البيض) حيث يُسلق البيض مع قشر البصل ويلون (تمامًا مثل بيض عيد الفصح) وهذا طقس سابق للمسيحية وله علاقة بقصة البيضة وبدء الخلق في الأديان المحلية في الشرق الأدنى. وكانت النساء تحمل معها الطعام الأخضر (الخس/اللوز الأخضر/الكرز، ..... الخ) من أجل التبرك بحلول الربيع الموافق لرأس السنة الآكادية/الفينيقية، وهذا له دلالة على الاحتفال برأس السنة القديمة التي تبدأ من شهر (نيسان) احتفالًا بنمو الزرع وتفتح أزهاره من خلال تقديم القرابين لإله الخصب مثل ذبح العقائق وتوزيعها على الفقراء، ومن أشهر الأطعمة التي كانت تطهى في هذا العيد (آذان القطط/ الشيشبرك) و (التطماجة/ حراق اصبعه) والرقاق بالعدس ولبنية الفول الأخضر، وهذا العيد ارتبط بالنساء بشكل أساسي تمجيدًا للآلهة الأنثى (عشتروت) التي أخرجت الإله الذكر من عالم الموت (بعل)، وكان يوافق هذا اليوم بدء التحضير لمراسم موسم النبي موسى ومن أشهر زغاريد النساء في ذلك الاحتفال: آويها والعرس ما هو فرحة آويها ولا طهور الصبيانِ آويها والفرحة زيارة موسى آويها عليه الصلاة والسلامِ آويها وسجرتنا (شجرتنا) خضرة آويها وثمرتها حمرا أويها وشطّحنا السنة هادي آويها وعقبال السنين الجاية كانت نساء الخليل في اليوم السابق لذلك الاحتفال تقوم بنقع الأزهار العطرية في ماء تحت القمر، وتأخذ معها الماء من أجل غسل شعورهن في البساتين، كان يتم وضع الإناء تحت سماء مقمرة، لتأثير الماء في الروح الشريرة، وهذا يمتد إلى طقوس متعددة مارسها الفينيقيون منذ القدم ، بهدف طرد الشر بسبب الاعتقاد بالتأثير الكبير للسماء على فعالية الماء المقدس، فالقمر من المتحكمات بقدر الانسان ضمن الكواكب السبعة (الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ وزحل) التي كانت حسب المعتقد الفلسطيني القديم تتحكم بمصائر الناس وعروش الملوك، حيث كانت تعتبر بمثابة آلهة. ويذكر الباحث الألماني (جوستاف دالمان) الذي وثق ذلك الطقس في موسوعته الفلسطينية الصادرة عام 1928م (الجزء2/ص428) أن الرجال كانت تشارك النساء في مدينة الخليل هذا الطقس، إلا أن أحد الشيوخ منعهم من ذلك، وفي يوم الخميس اللاحق لخميس البيض والذي كان يسمى (خميس الموتى) تذهب النساء لزيارة قبور الموتى والبكاء عليهم، وكن يأخذن معهن الحلويات (المعمول/ فطاير الزعتر/فطاير اليانسون) ليوزعنه على الناس كنوع من طلب الرحمة لهن، وهذا الطقس من الاحتفال قديم جدًا وذكره المؤرخ سوزومين في الخليل في القرن الثالث الميلادي، حيث وصف طقوس الاحتفالات الجماعية التي كانت تقام في منطقة بئر حرم الرامة للآلهة الاغريقية، من خلال حرق البخور وسكب النبيذ وذبح الثيران، إلى جانب طقوس أخرى جماعية مثل توزيع الكعك واللحوم طلبًا لحماية الآلهة لأسرها، لكن الامبراطور قسطنطين بالتعاون مع والدة زوجته أمر بحرق التماثيل وتدمير المذبح وبناء كنيسة في المكان، وتم إصدار مراسيم إلى الكهنة بمنع الفينيقيين من إقامة هذه المراسم الطقوسية الوثنية مرة أخرى. كما شارك الرجال في طقس "نيس البنات" من خلال وضع علامات من الحناء أو الصبغة الحمراء (الطباشير) على الحيوانات مثل الأغنام والأبقار والخيول والجمال وكانت تستثنى الحمير من ذلك الطقس، وهذا له علاقة بالأساطير القديمة التي تقول بأن النار أحرقت في ذلك الوقت العالم كله، ووضع العلامات من دم الذبائح الخاصة بالولائم على مداخل البيوت وسيلة للحماية من غضب الآلهة لأن الدم (شبيه بالنار) ، وكانت ترسم العلامات أيضًا على الشجار لحمايتها من الريح الشرقية التي تبدأ بالهبوب في ذلك الوقت من العام، وكانت توزع اللحوم على الفقراء والأقارب من أجل استرضاء الموتى كي تسعى أرواحهم نحو العالم العلوي بنباتات الربيع، كما كان يتم تكحيل العين للرجال والنساء على حد سواء. في النصف الأول من القرن العشرين ساهمت الظروف السياسية المتوترة في تقييد هذا الطقس حيث أوردت جريدة فلسطين الصادرة في شهر نيسان 1934م قيام بعض الجنود البريطانيين بالاعتداء على مجموعة من النساء في موسم شم الهواء في منطقة عين سارة، لكن ممارسة هذا الطقس استمرت حتى اندلاع الانتفاضة الثانية 1987م، ثم أصبحت تمارس في فضاء مغلق وممارسات خاصة تمثلت في أخذ ملابس وطعام لبيت العروس في الأول من شهر نيسان من كل عام، وانتهى الطقس بشكل نهائي بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000م. الشكر موصول ل جدتي "ليلى زيتون" و إم منار السلايمة وأ.هناء دنديس اللواتي روين لي تفاصيل ذلك الاحتفال وذكرياتهن عنه. بقلم احمد الحرباوي