عد انتهاء الوجود المسيحي في مدينة الخليل في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي نتيجة عدة ظروف سياسية يصعب حصرها هنا، بدأت نهاية التاسع عشر تتبلور ملامح الوجود المسيحي بعد التحسن الملحوظ في سياسية الدولة العثمانية مع الدول الأجنبية، حيث بدأت فترة جديدة عرفت تحولات كبيرة في فلسطين مع إعطاء تلك الدول امتيازات مختلفة خاصة فيما يتعلق ببناء الكنائس والمدارس التبشيرية والمستشفيات، حيث بدأت تتوافد على المدينة عدة وفود إرسالية كان من نتائجها وجود مدرسة للبروتستانت وأخرى بولندية إلى جانب مستشفى اسكتلندي آخر انجليزي، بالإضافة إلى بناء كنيسة المسكوبية ودير ونزل للرهبان، وكان يتبع لكل هذه المؤسسات موظفين وخدم لهم طقوسهم الخاصة، تم إجلاء عدد كبير من هؤلاء الموظفين بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية لهم من قبل الحكومة العثمانية عام 1916م نهايات الحرب العالمية الأولى باستثناء رعايا بعض الدول الحليفة كالألمان وغيرهم. أدى دخول الانتداب البريطاني إلى إضافة تعديلات مهمة على النظام السياسي الفلسطيني أثر بشكل مباشر على نمط الحياة والنظام الاجتماعي منها نقل الموظفين بين المدن المختلفة وكان هذا الاستقرار يفرض على المجتمع وجود شرائح جديدة مختلفة بينهم مثل (المسلمين في المدن والقرى والأحياء المسيحية أو العكس وغيرهم)، ومن هذا المنطلق سعت بريطانيا إلى عزل المسيحيين الفلسطينيين عن محيطهم الإسلامي وحاولت توظيفهم في مراتب الدولة العليا من أجل ضمان الولاء لها ولسياستها، ولكن الشعب الفلسطيني تنبه لهذه الخطوة في السياسة الاستعمارية. قرر أهل مدينة الخليل تأسيس ( الجمعية الإسلامية المسيحية بالخليل) عام 1923م، وكان يرأسها " توفيق طهبوب" (حسب الوثيقة المرفقة) وكانت تابعة للجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني وكان يوكل لها جميع المهام الوطنية في مقاومة الاستعمار وسياسة الانتداب، وفي عام 1925م أجريت لها أول انتخابات وكان مجلسها يتكون من (حسب الوثيقة المرفقة): الحاج سليم حجازي/ رئيسًا محمد التميمي/ سكرتيرًا والأعضاء: الشيخ عبد الحي الخطيب السيد محمد راشد الحرباوي الشيخ محمد علي الجعبري الحاج صالح سنقرط السيد صالح عبد النبي الشيخ حميدان كاتبة الشيخ ضاهر دعنا الشيخ عيد زيتون السيد فطين طهبوب السيد محمد إبراهيم يغمور السيد أحمد بيوض وكان ادارتها التنفيذية " للشيخ طالب مرقة". من أبرز الأحداث الاستعمارية العنصرية لتلك السياسة في المدينة كانت أثناء احتفال أبناء مدينة الخليل مع الطوائف المسيحية في "عيد البلوطة/ بلوطة النبي ابراهيم" في كنيسة المسكوبية حيث قام أحد الأطفال دون العشر سنوات باستفزاز مترجم بريطاني، فقام البوليس البريطاني بضربه، وعندما دافع ذوي الطفل عنه قام البوليس بمهاجمة كل الحاضرين وضربهم وتسجيل أسماؤهم، وتم سجن أكثر من 50 شخص والتحقيق معهم في نفس اليوم، فرفع الشيخ طالب مرقة تقريرًا وشكوى للجنة التنفيذية العربية بما حدث (حسب الوثيقة المرفقة بتاريخ 2/6/1925م، واستمرت بريطانيا بنفس تلك السياسة من أجل تفريق المجتمع الفلسطيني. في عام 1928م وقف الشيخ طالب مرقة رئيس الجمعية الإسلامية المسيحية ضد المؤتمر التبشيري في القدس (الخبر المرفق في جريدة اليرموك2/1928م) والذي حاولت من خلاله بريطانيا استمالة مسيحيي فلسطين من أجل تبني المشروع الصهيوني وسياستها، إلا أن المؤتمر لاقى رفضًا واسعًا سجن على إثرة الشيخ طالب مرقة، وتم الاعتداء بالضرب على بقية الأعضاء (في المرفق الخبر على صحيفة الجامعة العربية بتاريخ 28/2/1928م)، وعلى إثر ذلك امتنع مسيحي فلسطين الشرقيين والمسلمين من معايدة المسيحيين الغربيين بسبب تلك الأحداث (الخبر المرفق على صحيفة فلسطين بتاريخ 28/1/1929م) على إثر ثورة البراق التي انطلقت في 15/8/ 1929م وبداية تجلي الصراع الفلسطيني- الصهيوني/البريطاني، قامت الحكومة البريطانية باعتقال وقتل العديد من الفلسطينيين في مدينة الخليل، ونتج عن ذلك عائلات عديدة منكوبة، في تلك الفترة بدأت الصحف البريطانية بإطلاق الاشاعات حول قيام المسلمين بقتل اليهود ثم الهجوم على المسيحيين وهذا استنكار نشره أهل الخليل على صحيفة فلسطين نفس الفترة (حسب الخبر المرفق بتاريخ 18/8/1929م). على إثر الثورة تمادى العسكر البريطاني في التشديد على أبناء المدينة وسجنهم ومحاكمتهم وفرض ضرائب مالية باهظة عليهم، وكان رئيس بوليس الخليل تلك الفترة السيد (إبراهيم جرجورة - مسيحي فلسطيني من الناصرة) حيث قام بمساعدتهم والتخفيف عنهم وهذا الشكر منشور من أهل المدينة له في (صحيفة فلسطين الصادرة يوم 4/10/1929م). في تاريخ 10/10/1929م تبرع مسيحي مدينة الخليل بخمسة جنيهات فلسطينية لأسر الثورة المنكوبة في المدينة، وتم سجن رئيس الجمعية طالب مرقة بسبب الأحداث كما ظاهر في الخبر المنشور على جريدة فلسطين بتاريخ 27/10/1929م، وقامت زوجة الفاضل رئيس البوليس إبراهيم جرجورة بعملية جمع المال من مسيحيي مدينة الخليل لمسلميها المنكوبين بعد قيام نساء المدينة بجمع مبلغ غير كافي، (حسب الخبر المنشور بتاريخ 1/12/1929)، ولم تقف الأمور عند هذا الحد حيث كان للجمعية وللمسيحيين دور كبير ومهم في اللحمة الوطنية في ثلاثينيات القرن العشرين. بقلم أحمد الحرباوي