شهرزاد في حمام "سيدنا إبراهيم الخليل" (الأغنية النسائية في الحمامات العامة/ مدينة الخليل) كانت نساء الخليل قديمًا - قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين- تدخل أسوق البلدة القديمة يوميًا متجهات نحو حمام النعيم أو حمام سيدنا إبراهيم، داري/البركة أو كاتبة، في الفترة الممتدة بين الصباح حتى العصر من أجل تقديم أجسادهن كقرابين للشمس والحجارة بعد أن يقمن بتعميدها بالماء. يعتبر حمام سيدنا إبراهيم من أقدم حمامات الخليل التي لازالت متواجدة حتى اليوم حيث بني في العصر المملوكي 1265م، وتدخل النساء إليه عبر سوق الخواجات المتخصص ببيع الذهب والحرير والمنتجات الفاخرة من حلي وأواني وفضة، وحلي الخليل الزجاجية التي كانت تصدر لكل مدن الشرق والغرب ووصلت فيينا وشاركت في معرض الصناعات الحرفية نهاية القرن التاسع عشر 1879م. بعد أن تتجاوز النسوة الحوانيت التي تبيع منتجات حواضر مدن الشرق تدخل إلى سرداب طويل معتم ومغلق، وعلى العتبة الضيقة هناك تخلع نساء الأفندية وأعيان المدينة والتجار ملابسهم المصنوعة من الحرير والسرنك والموسوليني، وأغطية رؤوسهن الحريرية، بعد أن يقطعن مسافة أطول من قصورهن المترامية على الجبال حول المدينة، أما النسوة الأفقر فملابسهن القطنية تحملهن نحو حمام النعيم أو غيره من الحمامات الأصغر والأقل ثمنًا. إلا أن كل الحمامات العامة في المدينة تحمل في سقوفها نفس السحر، حيث تتولى قبابها المغطاة بالزجاج الملون مهمة سرقة ضوء الشمس لتلقي به على أجساد النساء الملقاة على الأحجار الرخامية بين جنبات الحمام وهن يغسلن شعورهن أو يغنون سوية في مناسبات عديدة متعلقة بالزواج أو النفاس أو الخطوبة أو الحج أو المواسم الدينية والشعبية والأعياد على مدار العام، أو أثناء سرد القصص والحكايا والأخبار مثل شهرزاد. يعتبر الفضاء الاجتماعي بكل ما يحمله من خصوصية واختلاف من أهم عناصر التفاعل الإنساني وأكثرها ابتكارًا، من خلال العلاقة الوظيفية التي يخلقها مع الإنسان المُتفاعِل معه، حيث ينتج عن هذه العلاقة سلوكيات تفضي إلى ممارسة ثقافة فعلًا وقولًا، وتمتد في الزمن بشرطية استمرار المكان ووظيفته، وفي ظل التحولات الاجتماعية والتطور الكبير للإنسان وعوامل الانتقال والتطور، أصبح الفرد في انعزال عن فضاءات تفاعله الأصيلة، لكن ترسبات تلك العلاقة وثقافتها تبقى مترسبة في الوجدان وفي الموروث المتناقل عبر الزمن، وتنقسم الفضاءات إلى خاصة وعامة، ويتفاعل الفرد مع تلك الفضاءات بخصوصية وحميمية بطرق مادية ومعنوية مختلفة، ومن أبرز أشكال تلك العلاقة وما تفرزه هي الأغنية الشعبية التي تعطي ملمح جذاب وخلاب عن شكل تلك العلاقة. ترتبط الأغاني في مدينة الخليل بشكل عام بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تفاعل معه الوعي الجمعي بطريقة ذكية ومُرهفة، لكن هذه العوامل لا تعتبر هي الأهم في انتاج تلك الحالة التعبيرية، بل يعتبر المكان الذي مُورست فيه تلك العملية التفاعلية (الأغاني) من أهم مركباتها، وسمة خاصة وسمتها بطابع لا يمكن للأغنية أن تُمارس إلا فيه، وتعتبر الحمامات العمومية التي كانت تتجمع بها النساء بشكل أسبوعي للاغتسال، أو ضمن مناسبات خاصة مثل الأعراس أو حمام النفاس، وغيرها العديد من المناسبات من أهم الممارسات الاجتماعية التي خلقت ظاهرة ثقافية خاصة بها. بعد احتلال مدينة الخليل عام 1967م من قبل القوات الإسرائيلية وتوطين المستوطنين في قلبها النابض (البلدة لقديمة) وتفريغ المدينة من نسيجها السكاني بطرق عديدة ممنهجة، أدى إلى إغلاق الكثير من تلك الفضاءات الاجتماعية ومن أهمها (الحمامات العمومية) وفُقدت على إثر ذلك العديد من الممارسات الثقافية، لكنها ترسبت في ذاكرة سيدات المدينة اللواتي عايشن تلك الحقبة المميزة. يرتبط الحمام العمومي بالعديد من الممارسات التي تصب بشكل أساسي بدور المرأة الجندري في المجتمع، مثل الزواج أو تنظيف الجسد من الشعر، أو النفاس وغيرها العديد من الأدوار الاجتماعية، مما خلق نوع من الأغاني التي تصب في مضمونها في شكل ذلك الدور وممارساته، ولم تمارس تلك الأغاني مطلقًا بعد إغلاق الحمامات العمومية أو تحويلها إلى متاحف كما حدث اليوم. هناك العديد من الأغاني التي قمت بأرشفتها بعد عناء طويل ومتعب والتي ارتبطت بهذا الفضاء، واحتوت على ايحاءات جنسية صريحة بشكل أو بآخر أو غزل أو ممارسات أصبحت تعتبر غير أخلاقية مثل التغزل بالمحبوب أو التغني بشرب التنباك (نارجيلة التبغ)، أو وصف العلاقة بين الأزواج، حيث كانت تلك الأغاني محرمة بشكل ضمني في البيوت أمام الرجال والأولاد. أثناء البحث وجدت أغنية تناولت قضية العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بتفصيل كامل، وكلمات الأغنية تدل على أنها تعود إلى بدايات القرن العشرين لورود كلمات تتعلق بالساعة (دخول نظام الساعات بشكل تفصيلي بالحياة اليومية) والاتومبيل (السيارة) وهذه التفاصيل لم تعرفها مدن الشام قبل القرن العشرين، كلمات الأغنية تقول: دخلك يا أفندي احكيلي الساعة كام؟ بعرضك يا أفندي قلي الساعة كام؟ الساعة وحدة إلا وحدة فك الوحدة يلا إنام الساعة تنتين إلا تنتين حط النرتن (الغليون) يلا إنام الساعة ثلاثة إلا ثلاثة بكفي ثباتة يلا إنام الساعة أربعة إلا أربعة اسقي الوردة يلا إنام الساعة خمسة إلا خمسة فرشنا الفرشة يلا إنام الساعة ستة إلا ستة فك الدكة (حل رباط الملابس) يلا إنام الساعة سبعة إلا سبعة إجتنا الضبعة يلا إنام الساعة تمنية إلا تمنية شيعلي البامية مع الخدام الساعة تسعة إلا تسعة اسعى معاي على الحمام الساعة عشرة إلا عشرة بكفي كشرة يلا إنام الساعة حداعشر إلا حداعشر الاوتومنيل بنشر (دولاب السيارة فرغ من هواءه) يلا انام الساعة طعناعشر إلا طناعشر يا حسرتي طلع النهار دخلك يا أفندي الساعة كام بعرضك يا أفندي الساعة كام الساعة كام بعد الحمام نفرش وانام أمان أمان والنبي يا بنية هي هي بقلم أحمد الحرباوي