1 قراءة دقيقة

قراءة في : قصص "أنا جنونك" .

للأديبة الفلسطينية : ريتا عودة .

   أنا جنونك عنوان لمجموعة قصصية يحرّضك على البحث عن جنية  تستتر بحُجب الكلام و الصورة الفنية و الرمز، و تزج بك دون سابق تحذير إلى عمق العمق و تطلقك كسنونو قد يواجه الربيع أو القفص أو الموت.

تمتاز القصة لدى ريتا عودة بتكامل عناصرها الفنية، و تسليط الضوء على القضايا الإنسانية و الوطنية، و الأنثى بتفاصيل معاناتها و آمالها و التي جعلت من حلمها مادة أساسية لرؤيتها و الانطلاق إلى فضاءات الحرية و التخلص من كل ما هو أرضي و معرقل للحركة الفكرية و الظل لبعض بطلات القصص مثل: " حلم آخر " ص35  أو " أبعد من أن تطالني يد "ص84.

تؤطر الكاتبة لنظرياتها الخاصة المتعلقة بالذات و الآخر بملامحها الفلسفية و النفسية، فهي تحمل هما كونيا يتضح بتعدد شخصيات قصصها و تنوعها على اختلاف معتقداتها و جنسها و تطلعاتها و عقدها تقول " ص18 " فراغ . مجرد فراغ يفصل بين البشر ،مجرد مسافات لا يمكن اجتيازها "

أو في قصة " المسمار" ص 62 التي تحكي عن البعد الداخلي للوجع الذي ينبع من الذات و يظنه الإنسان من تكالب الظروف الخارجية عليه ..

و ناصحة في حين آخر " احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك "

الرمزية لدى ريتا ليست مجازفة، بل خطة مدروسة لاستثارة ذهن القارئ و تحفيزه و فتح نوافذ التجلي أمامه و حرية الاختيار، هي تستضيفك حتى نهاية القصة و بعدها تجد نفسك على بحر حيفا أو أمام إشارة حمراء، أو هواجس عاشقة أو مأساة وطن .. لا يمكنك المكوث في مكان القصة الواحد رغم أرضيته الصلبة، ستنطلق كسنونو أو كغزال يلتقط رزقه من بئر المعنى أو مسرح الفكرة كيف شاء و ما استطاع أن يحمل في جعبته دون قيود .

تميزت الكاتبة بإدارة المونولوج لشخصياتها بما يكتنفها من صراع بين الأنا الوجدانية و الأنا المنطقية ينتهي في أغلبه بانتصار الأنا العاشقة دون أي اعتبار لأي تحذير قد يطلقه غور النفس العقلانية، كما اتضح جليا في العنوان الرئيس للمجموعة في قصة " أنا جنونك "، أو قد تدمج حوارين داخليين بتماهٍ مدهش و بتركيز عال. ريتا تقترف العمق و تنثر الحقائق بذكاء و حرص  كما في قصة " أنثى الظل" ص67. أو أنثى الحرائق ص 86.

أحببت استعراض الكاتبة للديانات الثلاث مذ بدء القصص بعيد الغفران اليهودي في قصة "أرض البرتقال " أو نشيد الملائكة في الميلاد المجيد " الأرض حب و في العلى مسرّة " ص96 حتى الاستلهام من النص القرآني لسورة التكوير ص70.

في الختام القراءة للكاتبة ريتا ترجمة واقعية لمعاناة وطن وقع تحت نير الاحتلال و إنسان لبث زمنا طويلاً رهن المعتقدات البالية، أو العاطفة بسموها و قلقها و غيابها و بعثراتها .. " أنا جنونك " هو إهداء للفكر و الخيال الإنساني بكل تجليات الجنون الثوري العاقل .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.