قراءة في رواية "حكايا ديار " للكاتبة "نداء الطوري بقلم : خولة سالم
الرواية أعلاه من إصدارات دار العماد للنشر التوزيع صدرت عام 2020 في طبعتها الأولى وهي تقع في 225 صفحة من القطع المتوسط .
لوحة الغلاف تعبر عن المحتوى بشكل رمزي فهي لطفلة تجلس على ارجوحة في فضاء يتسع على طول المدى لا حدود للصورة كما لاحدود لاحلام الطفولة أيضا، فحبال الارجوحة مثبتة في رسائل تطير في الفضاء ، وقاعدتها عبارة عن غصن شجرة ترك على طبيعته دون تشذيب حتى ، وهيئة الطفلة توحي بالبساطة والعفوية بحثيث تجلس وتدير ظهرها للمشاهد ، وكأنها تعبر عن طفلة خجولة ترتبط باحلام معلقة في الفضاء ، تخشى ان تنظر للقاريء "تدير ظهرها "ربما تعبيرا خجل يسكن الطفولة البريئة عادة ، الملفت للانتباه ان لا إشارة لرسام لوحة الغلاف .
الرواية أعلاه متعددة الأبطال وغالبيتهم من الأطفال وبطلتها الرئيسية ومحورها تكمن في شخصية معلمة في مراحل التدريس الابتدائية تدعى "ديار " .
وتتشكل تفاصيل الرواية كرسائل يرسلها الطلبة لديار البطلة وهي تصوغ أحداثها على شكل قصص قصيرة تشكل الرسائل بتفاصيلها الموجعة رسائل تريد الكاتبة ايصالها للمجتمع فهي في الغالب مشاعر أطفال تجرعوا المعاناة منذ نعومة أظفارهم فكتبوها لمعلمتهم على الورق ودسوها بحذر بين أوراقها ربما خجلا من التعبير المباشر عما يشعرون به ، وارتات الكاتبة ايصالها على شكل رواية للمتلقي كنوع من أساليب التعبير عن الذات بطريقة شيقة .
وانت تتنقل في تفاصيل احداثها تعرج على عبارة تكاد تتكرر بعدد أبطالها مثل :"سامي ،2014... مع حبي " و "مع حبي ... بتول " و "عمر ، مع حبي " ....الخ
وكأن الكاتبة أرادت إيصال مشاعر الأطفال كما هي بتوقيعاتهم ، كدليل على صدق ادعائها ، أو ربما أرادت بهذه الطريقة أن تضعنا أمام مشاعر حقيقية قرأتها في رسائل حقيقية لطلابها الأطفال أبطال الرواية.
الرواية تجسد تفاصيل المشاعر والعواطف التي تختلج في قلوب أطفال المدارس الابتدائية حول حقائق نتعامل معها نحن الكبار بطريقة تختلف كليا عن تناول الطفل لها او تعبيره عنها ، ف"الشهيد" في نظر الطفل مثلا له خصوصية مختلفة جدا عما نتداوله نحن الكبار مرتبطة بألم رهيب يتجاوز حدود ادراكه أكثر بكثير مما نتخيل نحن ، وكذلك الأمر بالنسبة لمشاعر الفقد وخاصة للوالدة والتي يستبدل الطفل عادة غيابها القسري بالموت ويجسد شخصية المعلمة مكانها تلقائيا ، ويسقط أحلامه وأماله في غيابها على المعلمة ، كما تعرج الكاتبة على موقف الطفل من الضرب والعقاب وكأن الكاتبة تريد أن تسقط نظام العقوبات الجسدية وربما اللفظية أيضا من قاموس التربية .
وفي رسالة أخرى تريد أن توصلها الكاتبة وهي تبادل الأدوار مع طلابها ، فهي التي تستمد دروسها الأعمق والأكثر تأثيرا في حياتها منهم ، بعد أن كانت ترفض بشدة التعامل مع الأطفال أصبحت أكثر جرأة على العمل معهم والتعلم منهم كل يوم جديد.
تحاول الكاتبة وفي كل جزئية تقريبا عكس تجربتها التربوية في جيل تأمل أن يصنع الفرق ، فقد أشارت وفي أكثر من مكان لمفاهيم السيادة ، والعبودية ، ومجتمع القطيع ، وكل تلك المفردات لم تأت عليها من فراغ وانما جاءت في سياق الرواية كنوع من السخط على المجتمع ونقده بشكل لاذع عله يستفيق وينقد الطفولة من براثن الجهل الذي يحكم الكبار ، وشددت في اكثر من موقع على ضرورة ابعاد الأطفال عن مشاعر الحزن والإحباط التي يعيشها المجتمع بأسره نتيجة الاحتلال وممارساته ، والتي تنعكس تلقائيا على سلوك الكبار ، وتطالب بشكل غير مباشر ابعاد الطفولة عن معانة الكبار وتجنيبهم كل هذا الكم من الحزن ، وان كان الطفل يشاهد بعينه كل تلك الممارسات ، فيجب على المدرسة أن يكون دورها توعويا تربويا قبل أن يكون تعليميا ليبث الأمل في نفوس الأطفال وأن لا تنعكس الممارسات القمعية والنموذج الاحتلالي على سلوك المعلم وأكثر سلوك يتأذى منه الأطفال يتمثل في العقوبات الجماعية التي يتعرض لها طلاب الصف كاملا لمجرد سلوك أحدهم وربما بعفوية .
كاني أرى في ديار صورة طبق الأصل لنداء ، وكأن نداء هي ذاتها ديار ، وتريد أن تكون كل معلمة ديار كي يتحول مجتمعنا من مجتمع عبيد الى مجتمع أسياد وأحرار.
في النهاية تجربة إبداعية قلما كتب فيها معلمون ، وأعتقد
انها نقطة تحسب للكاتبة .